حاتم محمد الأحد 11 يناير 2015
الكاهن مكاري يونان المشهور بأعمال السحر، لم يحب أن يتفوق عليه الدكتور سعد الهلالي فاقتدى به ورأى السيسي مرسلا من السماء، مستدلا بنبوءة في الإصحاح 19 من سفر أشعياء تتحدث عن وقوع مصر في كربات ثم يأتيها من بعد ذلك محاميا ومخلصا. نبوءة مكاري ليست الأولى فقد سبق له قبل خمسة أعوام وفي يناير أيضا من عام 2010 أن تنبأ بوقع زلزال مدمر في مصر على نحو زلزال هايتي، ودعا أتباعه للصلاة والاستعداد. انظر نبوءة مكاري صنعت في تل أبيب. ولمكاري من نحو ذلك الكثير، معتمدا في ذلك على ما جاء في سفر أشعياء الذي على ما يبدوا أنه لم يقرأ سواه في كتابه المقدس. ولكن الكاهن حاد عن الطريق الواضح في بيان نبوءة السفر. (إن ثبتت صحتها وكانت لا تتحدث عن أمر انقضى زمنه) فلعله خاف أن يسقط النبوءة على وجهها الصحيح حتى لا يتهم. فالإصحاح 19 من هذا السفر المخصص كله لمصر يتحدث عن وقوع صراعات في مصر يمكن وصفها بحروب أهلية، يكون المتسبب فيها على حسب قول السفر : (وأغلق على المصريين في يد مولى قاس فيتسلط عليهم ملك عزيز). فالسفر يتحدث عن حاكم عنيف لمصر كما أنه ليس حرا في قراره السياسي، إذ وصفه بالمولى . وأنه يأتي قهرا على خلاف رغبة المصريين إذ وصفه بالمتسلط. ويمضى السفر فيصف الأحوال الاقتصادية في زمن ذلك المولى (تنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس) فهل هذا هو المصير الذي سيئول إليه النيل بعد اكتمال بناء السد الأثيوبي؟ ربما. كما يتحدث عن انهيار الصناعات، وبؤس حالة العمال فيقول يخزى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الأنسجة البيضاء.و تكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبين النفس). ثم يتحدث عن مستشاري الرئيس ومساعديه فيصفهم بالغباء الشديد يقول السفر : (إن رؤساء صوعن أغبياء حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية). وصوعن هو الاسم التوراتي لمدينة صان الحجر الكائنة الآن بمحافظة الشرقية، وكانت هذه المدينة عاصمة للدولة المصرية في العصر الفرعوني. وعرفت في العصر اليوناني باسم تانيس . وبها جرت المحاورات والمناظرة بين موسى عليه السلام وفرعون ففي المزمور (78 : 12) : (قدام آبائهم صنع أعجوبة في أرض مصر بلاد صوعن)، وفيه أيضا : (حيث جعل في مصر آياته و عجائبه في بلاد صوعن) ، مما يشير إلى أن هذه النبوءة إن صحت فإنما المراد بها زمن قد مضى وولى. وخاصة وأن مصر في الفترة التي تلت خروج نبي الله موسى عليه السلام قد شهدت صراعات مريرة وانقسمت البلاد، وقد اكتشف بالمدينة عدد من رؤوس المغازل والمواكيك إذ كانت المدينة مشهورة في صناعة الأنسجة . ولكن على أي حال فالنبوءة تشير إلى أن رؤساء صوعن أي قادة مصر أغبياء، وأن مستشرين الحاكم أهل العقل الحكماء مشورتهم في منتهى السوء ولا تفلح ولا تأتي بخير، إذ مشورتهم بهيمية على حد وصف السفر، لذلك ساء الوضع الاقتصادي بالبلاد كما ذكر السفر أولا. وأما النخبة وأصحاب الرأي فيضلون الناس : (وأضل مصر وجوه أسباطها) فتكون النتيجة : (فأضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه). ومن ينظر لمصر اليوم يجد حالها شبيه بالأوصاف المذكورة، ثم يمضى السفر فيذكر علواً لأهل الكتاب في بعض مصر، ووقوف لليهود على حدود مصر، وهنا ينتفض شعب مصر يصرخون أو يدعون الله (بسبب المضايقين) فبعد الضيق يأتي الفرج ويستجيب لهم الله عز وجل (فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم). وبعد أن يتكلم السفر عن استجابة الله للمصريين ونصره لهم وعلو كلمة الحق بعد أن نال منها كل صعلوك متمرد على الوحي، يزف بشرى بوحدة للأمة بين كل من مصر والعراق وما حولهما من البلاد (في ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى أشور فيجيء الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى أشور ويعبد المصريون مع الأشوريين). فتلك هي النبوءة إن صح ما في أشعياء، وإن صح أنه يتحدث عن زمن آتي، لا ما قد مضى وانقضى، وهو الراجح تاريخا مع الآخذ في الاعتبار ما أصاب السفر من تبديل مثل ما أصب غيره من نصوص أهل الكتاب. وهذا ينبئك بما قد يصيب الوحي من تحريف نتيجة محاولة رجال الدين وكهنته إرضاء من يملكون القوة، والحصول على بركتهم، فيدفعون الناس للسجود للوحش (قَائِلِينَ: مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟). |