من أكبر الأقليات السورية، تزيد نسبتهم عن 10% من المكون السوري وتعد الطائفة العلوية من المذهب الشيعي، لكن يحيط الغموض بمعتقداتها وجذورها في جوانب عدة، كانت في الفترة العثمانية من الطبقات الأدنى اجتماعيًّا ومعيشيًّا في البلاد، لكن هذا بدأ بالتغير بشكل رئيسي أثناء الانتداب الفرنسي لسوريا إبان الحرب العالمية الأولى والذي استعان بهم ممهدًا طريق العلويّين للخدمة العسكرية والضابطية والانخراط الأكبر في التمثيل السياسي والمادي.
يتواجد أكثر من 70% في مناطق جبلية تقابل الساحل السوري، وبعد تولّي الأسد عام 1970 رئاسة البلاد انتقل عدد أكبر منهم إلى العاصمة دمشق وحمص ومدينتيّ اللاذقية وطرطوس، ويسيطر العلويون على قطاعي الجيش والأمن بنسبة عالية وبصورة شبه مطلقة على مفاصل الدولة الاقتصادية.
ليست الطائفة سواء، حيث تنقسم الطائفة العلوية إلى مذهبين رئيسيين هما الكلازي والحيدري، يشكل أتباع الكلازي نسبة 60% من عموم الطائفة، وينتمي لها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وخلفه الحالي، ويعتبر الحيدريون أنهم وُضِعوا في المقام الثاني ومورس عليهم اضطهاد كبير في فترة حكم الأسد، حيث مُنِعوا من تولي المناصب القيادية المدنية والعسكرية، ولم يتغير هذا إلى أن اندلعت الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث استمال الأسد أتباع المذهب الحيدري وقرّبهم لأجل أن يدعمهم في قتال المعارضة، لكنه استمر في وضع شبابهم في الخطوط الأولى للقتال، وسُجّلت حادثة احتجاج علنية ضد النظام، بدرت من أتباع المذهب الحيدري في قرى بسنادا ودمسرخو، بالتزامن مع وصول عشرات الجثث من قتلاهم بالمواجهات مع فصائل المعارضة، أخمدها أتباع المذهب الكلازي من عناصر الأمن والجيش بالنار مُسقِطين سبع ضحايا.
[size=38]الوضع الحالي للعلويين [/size]
على الرغم من أنه يُنظر عادة إلى الطائفة العلويّة من منطلق أنها “جوهر النظام السوري” والفئة الأكثر استفادةً منذ بضعة عقود، إلا أن الصورة من الداخل تبدو مختلفة الآن وخصوصًا بعد دخول الصراع السوري عامه الخامس.
[size=32]الخسارات البشرية [/size]
: حسب صحيفة الديلي تليغراف، فإن العلويين دفعوا ثمنًا باهظًا جراء ولائهم للأسد، ما يصل إلى ثلثِ شبابهم قد قضوا نحبهم في المعارك وتم إعادتهم في أكياس الجثث إلى قراهم زرافات ووحدانا، ويغلب طابع الحداد على تلك القرى، كما سجلت مؤخرًا حالات عدة قامت فيها الأمهات العلويات بنصب الحواجز على مداخل القرى لمنع النظام من سحب المزيد من أبنائهم إلى الخطوط الأولى في المعارك.
“الغالبية من الطائفة العلوية أصبحت تشعر بأنها “أدوات” للنظام”.
[size=32]الاهتمام والمكانة [/size]
: أصيب العلويون بحالة استياء عام بعد صفقة التبادل التي جرت في مارس 2014، والتي تم فيها الإفراج عن راهبات دير معلولا مقابل إفراج السلطات السورية عن عشرات المعتقلات السوريات، وسبب الاستياء كان لوجود 97 من النساء والأطفال العلويين مختطفين لمدة 7 أشهر حتى ذلك الحين لدى أحد فصائل المعارضة، ويرفض النظام التعامل مع الوسيط ليتم إطلاقهم عبر صفقة مماثلة، ولهذه وحوادث أخرى يجد العلويون أن النظام يتجاهل نداءات أسرى من الجيش النظامي لدى المعارضة في مقابل مسارعته إلى عقد صفقات تبادل يكون فيها إيرانيون وآخرون طرفًا.
يشعر العلويون أيضًا أن مكانتهم ازدادت دنوًّا بعد إنهاك الجيش السوري واضطرار الحكومة إلى الاعتماد بشكل كبير على استشارات الحكومة الإيرانية وإمداداتها من الميلشيات الشيعية، حيث ينظر الضباط الإيرانيون ومقاتلو حزب الله بازدراء إلى المكوّن العلوي ويشكك بأهليّته وقدرته على القتال أو الحفاظ على الأراضي “المحرّرة” من المعارضة، ويردف ذلك الشعور حالات الاغتيال أو الإبعاد التي أصابت رموز علوية مؤخرًا وتم اتهام النظام بها، كان آخرهم “محمد توفيق الأسد” أحد أبناء عمومة الأسد ومن الرجال النافذين، وقد تم اغتياله ضمن ظروف غامضة في بلدة القرداحة شهر مارس الماضي.
“جسر الشغور وقد أصبحت تحت سيطرة قوات المعارضة.”
[size=32]الوضع المعيشي [/size]
: بقيت أغلبية العلويين في حالة فقر على الرغم من حصول الأسد على السلطة في سبعينيات القرن الماضي، حيث قام بتوزيع المناصب والامتيازات بشكل مخصص، وتسبب بإثراء أفراد وعائلات معينة دونًا عن غيرها، كما أن الأزمة الأخيرة زادت من معاناة العلويين في قراهم، مع غلاء المواد الغذائية والوقود المطّرد وقلة المعيل وانحسار الدعم الحكومي، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء لأوقات طويلة، يظهر في الصورة أدناه كيف انعدمت الكهرباء عن معظم منطقة الساحل في جهة الغرب حيث تقطن أغلبية الطائفة، وانحسارها إلى المدينتين الرئيسيتين
[size=38]الشبيحة [/size]
تعد جماعات “الشبيحة” من العناصر الأكثر دموية في الصراع السوري، حتى بعد دخول تنظيم الدولة “داعش” والميلشيات الشيعية على ساحة الأحداث، وهي عناصر تنتمي للطائفة العلوية كانت موجودة في الساحل على شكل مافيات تهريب ومرتزقة تتسم بالعنف والبنية الجسدية الضخمة والإخلاص المطلق لنظام الأسد، وقد بدأ تشكيلهم من بقايا جمعية المرتضى وسرايا الدفاع التي شكلها رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري السابق.
يُخلص “الشبيحة” بشكل مطلق لنظام الأسد، حيث يشتهر عنهم شعارهم “يا بشار لا تهتمّ، عندك رجال بتشرب دم”, رغم أن الأخير يتجنب الارتباط المباشر بأفعالهم، وتتم عمليات الدفع لهم بشكل غير واضح، ويكمن في الدافع الطائفي والمادي أحد الأسباب الرئيسية لإخلاص “الشبيحة”, بالإضافة إلى حاجتهم لبقاء نظام الأسد لحمايتهم من ردات فعل انتقامية من ضحاياهم، وتظهر الشبيحة في أحد الجنازات بعد 15 شهرًا من انطلاق الثورة السورية وهي تهتف محتجة بأن “بشار الأسد أصبح سنّيًّا” في تلميح لأن يكون أكثر صرامة تجاه المعارضين.
اشتهر “الشبيحة” والمسلحون العلويون بحوادث كثيرة كانوا فيها المسؤولين المباشرين عن مجازر بحق أهالي سنة آمنين لغاية الانتقام الطائفي البحت، من أشهرها ذبح 108 أشخاص في “الحولة” في ريف حمص من بينهم 49 طفلًا، وإعدام المئات رميًا بالرصاص أو بالذبح في قرى سنية أخرى في ريف حمص، أيضًا مجزرة قرية “البيضا” السنية والتي تقع في معقل العلويين، حيث تم جمع العشرات في الساحة الرئيسية في مايو 2013 وإعدامهم عبر الحرق أو الذبح، وبلغت المحصلة النهائية أكثر من 248 قتيلًا سنيًّا بينهم النساء والأطفال، تبع ذلك نزوح لأكثر من 4000 سني من جنوب بانياس المجاورة للفرار من مذبحة محتملة أخرى.
تحظى هذه المجازر بمباركة دمشق وقبولها، وإن لم تكن بالضرورة عبر أوامر مباشرة، وتستهدف عمومًا قرى سنية مجاورة لمناطق أو قرى علوية، وذلك لإرهابهم وتأديبهم أو للانتقام.
“موالاة الطائفة العلوية في جبل محسن في لبنان لنظام الأسد.”
[size=38]حادثة “حمزة العليان “نموذجًا” [/size]
تصاعدت الاحتجاجات العلوية إثر نشر فيديو إعدام حمزة العليان، وهو مقاتل تابع لقوات الأسد ينحدر من ريف طرطوس وينتمي للطائفة العلوية، تمت تصفيته على يد المعارضة السورية في معارك سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، أواخر نيسان الماضي، وصوّرت لحظة إعدامه التي وصفها مؤيدو النظام بأنها “طائفية”، في حين نظر آخرون من المعارضة، إلى أنها محقة على اعتبار أنه كان يقاتل في صفوف النظام حين ألقي القبض عليه، وشريكٌ في الجرائم ضد المدنيين في المنطقة.
إثر ذلك نظّم شباب أتراك ينتمي معظمهم إلى الطائفة العلوية مظاهرات غاضبة في عدد من المدن التركية، طالبت بحماية العلويين في سوريا بحسب لافتات رفعوها، وندّدوا بمقتل “العليان” معتبرينها “حادثة طائفية”, بينما أعرب ناشطون سوريون عن استهجانهم لخروج مواطنين أتراك في مظاهرات من أجل “شبيح” كان يقتل الأبرياء، في حين لم تهزّهم صور آلاف الأطفال الذين قتلوا بقصف نظام بشار الأسد، أو تحت التعذيب في أقبية مخابراته، واعتبر بعضهم أن “الطائفية هي من تقود هؤلاء للدفاع عن الظالم والمستبد”.
ويظهر وزير الإعلام السوري في مقابلة مع قناة سورية رسمية وهو يتحدث عن أن “العليّان” كان سيُقتل سواء كان سنيًّا أو علويًّا أو مسيحيًّا، لأنه يُقاتل مع “الدولة”, لكنه اعتبر سؤال العليان عن طائفته قبل تصفيته أمر حدث بغاية تحريض المشاعر الطائفية:
[size=38]لماذا تُخلِص الأغلبية العلوية للأسد حتى الآن؟ [/size]
تعتقد معظم الطائفة العلوية بأن أي إجراءات من شأنها إضعاف النظام بشكل جدي كفيلة بجعلهم يتعرضون لجحيم الانتقام الطائفي من قبل قوات المعارضة، خصوصًا بعد تورطهم العلني وغير المسبوق مع السلطات السورية، ولذلك فهي تتحمل المزيد من عودة أبنائها في “أكياس الجثث” ومداهمات قوات النظام لسحب المزيد إلى الاحتياط، كما أن النظام نفسه يستمر في التأكيد لهم على كونه الجهة الوحيدة القادرة على حمايتهم، وأن فصائل “الجهاديين” ستلاحقهم بالإبادة و”السبي” لو لم يتواجد للدفاع عنهم، مقدّمًا نفسه طوال الوقت على أنه “حامي الأقليات”.
“احتجاجات يقودها منتمون للطائفة العلوية في تركيا شمال سوريا.”
ويؤكد المعارض العلوي “حبيب علي” باستصحاب الأسباب التوثيقية والوطنية والتاريخية، أن الطائفة ليست لديها دار إفتاء توجهها، و”لكن النظام تسلل إليها وسيطر عليها عبر التجنيد والترغيب للعلويين”, وورطهم بعمليات القتل والاقتحام والنهب بشكل لن ينساه معظم السوريين.
علمًا بأن وعود المعارضة ببناء دولة مدنية حديثة لا تفرق بين الطوائف لا تبدو أنها تطمئن العلويين كفاية، فتجارب سقوط الديكتاتوريات في العقود الماضية، أظهرت كلها عمليات انتقام وتطهير عرقي وإثني، والطائفة العلوية كانت طوال أربعة عقود إحدى ركائز النظام السوري وقد توغلت طويلًا بالموالاة.
[size=38]معارضون علويون [/size]
يتواجد معارضون لنظام الأسد منتمون للطائفة العلوية وموجودون في هياكل المعارضة، بما ذلك الائتلاف الوطني، في مساهمة تعد محدودة حتى الآن، وظهرت أسماء روابط ومجموعات علوية متعددة مناهضة للنظام في السنين الأخيرة، ومنها “رابطة تنسيقيات الساحل السوري” و”رابطة الإخاء الوطني والعيش الواحد في الساحل السوري”, بالإضافة إلى “العلويين الأحرار” والتي بثت لها وكالة الأنباء الفرنسية بيانًا مبكرًا تعلن مناهضتها للنظام السوري داعية العلويين في كل سوريا للوقوف “متحدين ضد العائلة الفاسدة التي تبحث فقط عن الخيانة والمال والسلطة”.
بالإضافة إلى عدة مؤتمرات عقدها علويّون، من ذلك مؤتمر في القاهرة شارك فيه نحو 150 شخصية علوية تضم ناشطين وزعماء دينيين اضطر معظمهم لترك سوريا خشية على أنفسهم لتأييدهم للثورة، ومؤتمر “كلنا سوريون” في إسطنبول، ويوضح معارضون علويون أنه لم يصدر عن الطائفة العلوية أي فتاوى تجاه النظام أو غيره، وذلك لانعدام وجود من يفتي أو يشكل مرجعية مذهبية أو مليّة للعلويين، على خلاف ما هو عليه الأمر لدى طوائف أخرى.
“تقدم المعارضة تجاه “كسب” شماليّ اللاذقية في نيسان الماضي.”
[size=38]موقف المعارضة والفصائل المناوئة للأسد تجاه المسألة العلوية [/size]
تتحدث المعارضة السورية بمختلف شرائحها وبشكل واضح عن إرادة تحقيق دولة سورية، تشمل جميع الطوائف في كنهها، دون أيّ نوع من المحاباة، دولة أكثر ديمقراطية وخالية من الديكتاتوريات، يتكرر هذه في شعارات المظاهرات الأولى وبيانات الائتلاف وأحاديث الناشطين والرموز الفردية في الداخل أو في الخارج.
لكن الناشطين يؤكدون بمرارة على أحقيّة القصاص العادل، ويجدون أنه يحقّ للشعب السوري أن يحصل على تحقيقات واضحة ومحاسبة لجميع المسؤولين عن ارتكاب مجازر خلال الأربع سنين الأخيرة، يشمل في ذلك المنتمين للطائفة العلوية والتي يجدها عمومهم أنها توغّلت عميقًا في دماء السوريين، ويريدون لها أن تعود إلى حجمها الطبيعي بالنسبة للمكوّن السوري، فهي حسب وصفهم قد استعْلَت طويلًا وانتفعت بالظلم والتسلط الأسدي على باقي المكونات السورية دون أن يمنعها أيّ وازع أخلاقي أو إنساني.
أما الفصائل التي تتحدث عن إقامة “خلافة إسلامية” وتعتبر العلويين “نصيريين” خارجين من الدين، فإن تنظيم الدولة داعش وجبهة النصرة هما أبرزها، يعلن داعش العداء الواضح والمطلق للطائفة العلوية التي يعتبرها حفنة من الكفار والمرتدين، لكنه حتى اللحظة لم يستهدف عمومًا إلا مناطق سنية وكانت معظم ضحاياه من السنّة، وفي ذلك يرى معارضون أن السنة والشيعة يواجهون الخطر نفسه حين يتعلق الأمر بـ”داعش”.
أما جبهة النصرة فقد أصدر مؤخرًا الشيخ عبد الله المحيسني، أحد أهم منظّري الجهاد للنصرة، فتوى تحرّم قتل أطفال ونساء العلوية بإجماع العلماء على حدّ وصفه، حيث ستكون المعارك القادمة “في قلب معاقل النظام، في القرى العلوية، وهو تَحوّل جديد في الساحة الجهادية الشامية”. ورفض الفتاوى الخاصة بإمكانية قتل العلويات باعتبارهن “مرتدات”، مؤكدًا ذلك بقوله: “نحن لسنا قطاع طرق ولا مصاصي دماء ولسنا ممن يسعد ويفرح بإراقة الدماء، فجهادنا دعوة قبل أن يكون قتالًا”.