مرشد إيران يطالب الرئيس المصري بتبني تعاليم الخميني في بناء الدولة
طالب «المرشد الأعلى» الإيراني علي خامنئي الرئيس المصري محمد مرسي بتبني «النموذج الإيراني» والانضمام إلى طهران في «بناء الحضارة الإسلامية الجديدة»، استنادا إلى تعاليم الإمام الراحل آية الله الخميني، إلا أن مصادر أمنية رفيعة في القاهرة قالت لـ«الشرق الأوسط» أمس إن الرئاسة المصرية تلقت عدة رسائل من جهات إيرانية رسمية وأخرى محسوبة على النظام في طهران، من أجل حث مصر على قبول التعاون معها في أربعة مجالات؛ اقتصادية وسياسية وأمنية وتقنية، لكن المصادر نفسها تحدثت عن وجود خلافات داخل مؤسسات الدولة الرسمية بشأن الموافقة على الطلبات الإيرانية.
وتأتي دعوة خامنئي للرئيس المصري في شكل خطاب مكون من 1200 كلمة، وتم التوقيع عليه بالنيابة عن الخميني من قبل مستشاريه المقربين البالغ عددهم 17، بمن في ذلك «مستشار شؤون السياسة الخارجية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية» علي أكبر ولايتي.
ويبدأ الخطاب –الذى نشرته صحيفة الشرق الأوسط - بتوجيه التهنئة لمرسي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لـ«الثورة المصرية» وانتخابه رئيسا للبلاد. ويقول الخطاب إن إيران قد أصبحت «تحت ولاية الفقيه» «واحدة من أكثر دول العالم تقدما» في مجموعة من المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية.
ويشير الخطاب إلى أن «الحق في حكم المجتمعات البشرية يعود إلى الله ورسوله وأهل البيت»، كما يؤكد على أن «أفضل مسار في الحياة هو الذي يكون مستوحى من ولاية الفقيه».
ويضيف الخطاب أن الخميني كان فيلسوفا عظيما وعالما ذا مكانة بارزة في التاريخ الإسلامي، ولذا فإنه يتعين على المسلمين في كل مكان اتباع تعاليمه، ولا سيما فيما يتعلق بـ«الحرب بلا هوادة ضد الصهيونية والغطرسة العالمية». ويشير الخطاب إلى أن الغرب نفسه يحاول الآن العودة إلى طريق الإيمان، مؤكدا أن «السبب في العودة إلى الإيمان هو المأزق الناجم عن النمو والتربية من دون الدين».
ويعد الخطاب بأن «المفكرين الإسلاميين الإيرانيين على استعداد لتقديم قدراتهم العلمية المتاحة للحكومة المصرية النبيلة وشعب مصر العظيم». ويوجه الخطاب حديثه إلى مرسي قائلا: «نظرا لأنك تتمتع بقدر كبير وعميق من الإيمان والفلسفة والفكر، ولأنك على رأس دولة قد ورثت الحضارة الإسلامية، فإننا نحثكم على أن تقيموا حكومتكم بناء على الإسلام فقط، ويتعين عليكم أن تتجاهلوا الضغوط الدولية وتأثير ما يسمى بالمثقفين الذين يبحثون عن فصل الدين عن السياسة».
ويضيف الخطاب أن «مصر الجديدة» يجب أن تبنى وفقا لتعاليم الإسلام كما وردت في النموذج الإيراني للتنمية، مشيرا إلى أن كافة الصراعات الدولية يمكن حلها عن طريق التعاليم الدينية، ولا سيما الإسلامية منها. ويضيف الخطاب: «لا يمكن للمواقف الإنسانية أن تقدم حلولا كاملة للاحتياجات الروحية والمادية للبشر».
ويرى محللون سياسيون أن هذا الخطاب يعكس سعي إيران الحثيث لإيجاد موطئ قدم لها في مصر. ودائما ما تزعم وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن «الربيع العربي» كان، في الواقع، بمثابة «الصحوة الإسلامية» المستوحاة من تعاليم الخميني وقيادة خامنئي. ومع ذلك، تكمن المشكلة في أن جميع بلدان «الربيع العربي» ليس لها علاقات دبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية.
ووفقا للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد فإن محتوى هذا الخطاب قد نوقش في جميع لقاءاته في مصر، بما في ذلك اللقاء الذي حضره في الأزهر. وتحدث نجاد في طهران قائلا إن بعض خطابات خامنئي باللغة العربية قد «أسيء فهمها» في مصر، وإنه حاول «توضيح الأمور». ويريد أحمدي نجاد أن يقوم خامنئي بتخفيف حدة ادعائه بأنه يقود العالم الإسلامي برمته، وأن يرضى بمكانة أكثر تواضعا كـ«مرشد أعلى».
وعلى هذا الأساس، قد يكون هذا الخطاب الموجه إلى مرسي بمثابة هجوم مضاد من قبل خامنئي الذي يشعر بالانزعاج من الانتقاد الضمني الموجه إليه من قبل أحمدي نجاد. ويمكن أيضا أن ينظر إلى هذا الخطاب، الذي أثار ضجة كبيرة في طهران، على أنه محاولة لمواجهة كل الأحاديث المثارة حول تأثير «النموذج التركي» على البلدان التي اجتاحها ما يسمى بـ«الربيع العربي».
ومن جانبها قالت مصادر أمنية في القاهرة أمس إن الخلافات المصرية بشأن التعاون مع إيران يرجع لعدة أسباب؛ على رأسها مخاوف من تأثير أي تعاون رسمي بين البلدين على علاقات الرئاسة المصرية مع حلفائها في الداخل، خاصة من جانب التيار السلفي الذي يدعم الرئيس محمد مرسي منذ انتخابه للرئاسة الصيف الماضي، ومن جانب مؤسسة الأزهر التي تحظى باحترام واسع بين المصريين، وهاجمت الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بشدة عند زيارته لها مطلع هذا الشهر.
وأضافت المصادر قائلة إنه، على الصعيد الخارجي، توجد نقطتان خلافيتان أخريان فيما يتعلق بعودة العلاقات بين القاهرة وطهران المقطوعة منذ عام 1979، وهما تعارض العلاقة بين البلدين مع التزامات مصر تجاه أمن الخليج واتفاقية السلام مع إسرائيل كدولة لا تعترف بها إيران، والتزام مصر تجاه «علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية».
وقالت المصادر إن النظام الرسمي الإيراني يضغط على مصر بوسائل عدة، من بينها دعوة ناشطين مصريين لزيارة طهران، وحث ناشطين إيرانيين موالين للنظام على التقارب مع النظام الرسمي في مصر، مشيرا إلى أن رسالة الأساتذة الإيرانيين التي بعثوا بها للرئيس مرسي بمناسبة الذكرى الثانية لثورة 25 يناير تعتبر من وسائل الضغط لتحقيق التقارب مع القاهرة.
وزار الرئيس الإيراني القاهرة في الأسبوع الثاني من هذا الشهر. وقالت المصادر إن نجاد استقبل بحفاوة من جانب الرئيس محمد مرسي ومن جانب عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وإنه بحث مع الجانب المصري فتح سفارتي البلدين في كل من القاهرة وطهران، وتقديم مساعدات مالية لمصر، وإلغاء التأشيرة الإيرانية أمام الزوار المصريين لإيران، إلا أن «مؤسسات مسؤولة في الدولة أخطرت مرسي عبر تقارير أنه من السابق لأوانه عودة العلاقات بين البلدين في الظروف الحالية، محليا وإقليميا ودوليا».
وأضافت المصادر الأمنية أنه تم رفع تقارير للرئاسة عن أن «مضار التقارب مع إيران في الوقت الحالي أكثر من نفعها»، مشيرة إلى أن التقارير تضمنت أيضا «اقتراب تأزم علاقة طهران مع المجتمع الدولي بسبب تطوير مشروعها النووي»، و«احتمال خسارتها للنظام السوري، آخر حلفائها على البحر المتوسط».
يشار إلى أن إيران عضو في «اللجنة الرباعية» التي اقترحها الرئيس مرسي لحل الأزمة السورية التي تضم كلا من مصر والسعودية وتركيا وإيران، إلا أن مواقف طهران تتعارض مع الدول الثلاث الأخرى بشأن النظام السوري الذي يحظى بمساندة من طهران.