نبذة النيل والفرات:
يقول موريس بوكاي في مقدمة كتابه بأن الإسلام قد اعتبر دائماً، كما فعل القديس أوغسطين بالنسبة للتوراة، أن هناك اتفاقاً بين معطيات الكتاب المقدس والواقع العلمي. وأن دراسة نص القرآن في العصر الحديث لم تكشف عن الحاجة إلى إعادة النظر في هذا. لأن القرآن يثير وقائع ذات صفة علمية، وهي وقائع كثيرة جداً، خلافاً لقلتها في التوراة، إذ ليس هناك أي وجه للمقارنة بين القليل جداً لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية، وبين تعدد وكثرة الموضوعات ذات السمة العلمية في القرآن، وأنه لا يتناقض موضوع ما من مواضيع القرآن العلمية مع وجهة النظر العلمية، وتلك هي النتيجة الأساسية التي تخرج بها الدراسة التي عالج المؤلف خلالها موضوع الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة.
وسيرى القارئ كما تبين للمؤلف في نهاية الكتاب كيف أن الأمر يختلف تماماً فيما يتعلق ببعض الأحاديث ظنية الثبوت لا يمكن قبولها علمياً، غير أن هذه قد خضعت لدراسات جادة اتباعاً لمبادئ القرآن الصريحة التي تأمر دائماً بالرجوع إلى العلم والعقل اللذين يسمحان للناقد بنفي صحتها على ضوء حقائق القرآن.
والدراسة المعنية في هذا الكتاب تختص بما تنبئ به الكتب المقدسة فيما يتعلق بالظاهرات الطبيعية المتنوعة الكثيرة، والتي تحيطها تلك الكتب بقليل أو بكثير من التعليقات والشروح. ويلاحظ المؤلف بأن الوحي القرآني غني جداً في تعدد هذه المواضع وذلك على خلاف ندرتها في العهدين القديم والجديد. حيث قام أولاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطاع تحقيق قائمة أدرك بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث، وبنفس الموضوعية قام المؤلف بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل، أما بالنسبة للعهد القديم فهو يقول أنه لم تكن لديه حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين، فقد وجد مقولات لم يتمكن من التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا هذا، وأما بالنسبة للأناجيل فيقول أنه يكاد يفتح الصفحة الأولى منها حتى يجد نفسه دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة، ويعني بهذا شجيرة أنساب المسيح. وذلك أن نص إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل "لوقا، LUC"، وأن هذا الأخير يقدم صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض، هذا ما جاء في قسمي الدراسة الأولين، أما القسم الثالث فسيجد فيه القارئ أمثلة توضيحية لتطبيق العلم على دراسة أحد الكتب المقدسة، وهو تطبيق لم يكن ليتوقعه الإنسان، كما سيجد القارئ في ذلك بياناً لما قد جاء به العلم الحديث الذي هو في متناول كل يد من أجل فهمٍ أكمل لبعض الآيات القرآنية التي ظلت حتى الآن مستغلقة أو غير مفهومة.
ويقول الباحث أن لا عجب في هذا إذا عرف أن الإسلام قد اعتبر دائماً أن الدين والعلم توأمان متلازمان. فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءاً لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام. وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا. وأن التقدم الذي تمّ اليوم بفضل المعارف العلمية في شرح بعض ما لم يكن مفهوماً، أو في شرح بعض ما قد أسيء تفسيره حتى الآن من آيات القرآن، ليشكل قمة المواجهة بين العلم والكتب المقدسة.