الأحد 15 ديسمبر 2013
[rtl]حرية التعبير عن الرأي كما قررها القرآن الكريم[/rtl]
[rtl]الدكتور : فراس يحيى عبد الجليل[/rtl]
[rtl]مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية[/rtl]
[rtl]ــــــــــــ[/rtl]
[rtl]في قضية تعتبر من أهم وأخطر قضايا العصر, تناول الباحث في هذه الدراسة موضوع حرية التعبير عن الرأي كما قررها القرآن الكريم, ذلك الحق الذي كفله الإسلام وأولاه عناية فائقة, من خلال إعطاء العقل المكانة التي يستحقها, ومحاربته للخرافة والأوهام, وتشجيعه على التفكير وحرية التعبير, الذي سيحاسب على أساسه الإنسان غدا يوم القيامة.[/rtl]
[rtl]وقد جاءت الدراسة في ثلاثة مباحث رئيسية, تخللتها مطالب فرعية, تناول الباحث في الأول منها مفهوم حرية الرأي, وفي الثاني حرية الرأي كما يقرره القرآن الكريم, أما الثالث فجعله للضوابط الشرعية لهذه الحرية.[/rtl]
[rtl]في البداية بين الباحث معنى كل من كلمتي (الحرية) و(الرأي) كل على حدة, ثم أوضح الباحث أن كلمة (الحرية) لم ترد في القرآن الكريم بلفظها, وإنما وردت بمشتقاتها, وكلها تدور حول تحرير الإنسان من سلطة غير الله سبحانه وتعالى, وجعل عبوديته المطلقة لله سبحانه وتعالى.[/rtl]
[rtl]وأما كلمة الرأي فهو الاعتقاد في الأمر بالظن الغالب بوصفه نتيجة للنظر والتفكير، فيما يتوصل إليه العقل بالتفكر والتأمل، وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات يكون رأيا.[/rtl]
[rtl]وأما مفهوم حرية الرأي أو التعبير عن الرأي فمعناها: حق الإنسان في أن يفكر تفكيرا مستقلا في جميع ما يكتنفه، وأن يأخذ ما يهديه إليه رأيه, وأن يعبر عن فكره بأي طريق, وقد يقترن ذلك بالجدال أو المناقشة أو تبادل الآراء, ثم الإعلان عن الرأي الذي توصل إليه بالنظر والبحث وإشاعته بين الناس والدفاع عنه دون قيد أو مؤثر.[/rtl]
[rtl]في المبحث الثاني دخل الباحث صلب دراسته, من خلال تقرير القرآن الكريم لحرية التعبير عن الرأي, فالإنسان في القرآن الكريم حر في اختيار دينه وعقيدته, قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ..} الكهف/ 29 وكذلك حر في أداء العبادة لله من عدمها, فقد أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يترك لخصومه الحرية في عبادة غير الله, لأن الحساب لا يمكن أن يكون عادلا دون حرية واختيار, قال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الزمر/13-14, كما خصص القرآن سورة كاملة لتقرير حرية العبادة وهي سورة الكافرون.[/rtl]
[rtl]كما منح الله سبحانه وتعالى الإنسان الحرية في كل ما يصدر عنه، وحمله المسؤولية عليها يوم القيامة، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}فصلت/40, كما يعتبر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المجال الأساسي للتعبير عن الرأي في القرآن الكريم, بل جعل خيرية هذه الأمة, مرتبط بالقيام بهذا المبدأ العظيم.[/rtl]
[rtl]ولعل أبرز ما في منظومة قيم الحضارة الإسلامية الاعتراف بالآخر، والتعايش معه، وعدم إقصائه أو إلغائه، وإعطائه الحق في التعبير عن الرأي، ونصوص القرآن الكريم تؤكد شرعية الحوار مع الآخر، وكيف لا والله سبحانه وتعالى حاور ملائكته في أمر جعل آدم عليه السلام خليفة في الأرض, بل حاور إبليس لعنه الله في أمر السجود لآدم عليه السلام، قال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} الحجر/30-32[/rtl]
[rtl]وفي القرآن الكريم مبدأ تحرير العقل بالنظر والتفكر في خلق الله، وفيه تكريم للعقل الذي هو منبع حرية الإرادة، وبه يفضل الإنسان على الحيوان، فقد تكررت الآيات التي تحث الإنسان وتدفعه إلى إعمال عقله في إدراك دلائل الهداية، كقوله تعالى: (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) وقوله: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ) وقوله (أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ) وقوله (أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ).[/rtl]
[rtl]ومن شدة اهتمام القرآن الكريم بحماية حرية الرأي, وحرصه على عدم إلزام الآخرين برأيه إلا من خلال الحوار والاقناع, ومن باب الأمانة العلمية التي تحلى بها الإسلام, فقد نقل القرآن آراء خصومه بأمانة فريدة, رغم كونها لا تخرج عن السباب والكفر والتطاول, كأقوال اليهود في الذات الإلهية, وأقوال فرعون المعبرة عن استبداده وجبروته, وأقوال الكفار المعبرة عن آرائهم الفاسدة, وأقوال المنافقين المستهزئة بالمؤمنين.[/rtl]
[rtl]وفي نهاية المبحث الثاني, أكد الباحث تقرير القرآن لحرية التعبير عن الرأي من خلال مبدأ الشورى والنصح لولي الأمر, الذي يقوم عليه النظام السياسي والاجتماعي للدولة الإسلامية, والذي تتجلى فيه حرية التعبير عن الرأي بأبهى صورها وأقواها.[/rtl]
[rtl]ومن عظمة الإسلام وحكمته, أنه يقرر المبدأ والقاعدة أولا, ثم يحيطه بسياج من الحدود والضوابط, التي تحميه من الانزلاق إلى هاوية الغلو, فلا إفراط ولا تفريط في الإسلام, ولعل هذا من أعظم خصائص منهج القرآن الكريم في التشريع.[/rtl]
[rtl]وقد بين الباحث هذه الضوابط في مستهل المبحث الثالث من هذه الدراسة, مشيرا إلى أن هذه الضوابط ليست قيودا أو موانع، وإنما هي معايير ضرورية لإبداء الرأي, وأن منع الإنسان من حرية الرأي على وجه يسيء إلى الآخرين يعد منعا من الاعتداء، وليس منعا من الحق.[/rtl]
[rtl]وقد قسم الباحث هذه الضوابط إلى :[/rtl]
[rtl]1- ضوابط شرعية تتعلق بالهدف والمضمون: فلا بد أن يكون الهدف من إبداء الرأي إصابة الحق واختيار الأفضل, بتجرد عن الأهواء والرغبات, مع اقترانه بالدليل والبرهان, قال تعالى: {يْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ...} النساء/123, وقد ذكر الغزالي أنّ أصحاب الرأي الحق كناشد ضالة، لا يفرق بين ان تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهره له الحق.[/rtl]
[rtl]ولا بد أن يكون الرأي في إطار القيم الأخلاقية التي أمر الله تعالى بالتزامها, كالأمر بالقول الحسن, والنهي عن الجهر بالسوء وعن إبداء الرأي الذي يؤدي لإشاعة الفاحشة في الدين, والنهي عن السخرية واللمز والغمز والتنابز بالألقاب, وكذلك النهي عن الظن السيء والتجسس.[/rtl]
[rtl]كما أن من ضوابط إبداء الرأي الشرعية في القرآن الكريم, أن يكون الرأي في مجال قابل لإبداء الرأي فيه, فالحكم الثابت بنص في القرآن أو السنة النبوية لا رأي للمسلم فيه, طبقا لخضوعه وعبوديته لله تعالى, قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} الأحزاب/36[/rtl]
[rtl]2- ضوابط شرعية تتعلق بالأسلوب: بأن يكون إبداء الرأي بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن, والبعد عن التعصب والاستبداد بالرأي, لأنه يدل على التحجر وضيق الأفق، وهو من أشد معوقات الحوار، وأكثرها ضررا، ولا فرق بين كونه تعصبا لمذهب أو قوم أو فكر أو بلد أو عرق أو لون أو جنس.[/rtl]
[rtl]3- ضوابط شرعية تتعلق باللفظ: بأن لا يحتوي إبداء الرأي على الشتم أو السب والتسفيه, وخاصة في المعتقدات والمقدسات, فاحترام الآخر وعدم المساس بمشاعره أمر مهم في تقبله للرأي، بغض النظر عن الاختلاف في الرأي، والتباين في الفكرة، والتباعد في وجهات النظر.[/rtl]
[rtl]4- ضوابط شرعية تتعلق بصاحب الرأي: بأن يكون صاحب الرأي من أهل الخبرة والاختصاص, أي أن يكون لديه أهلية إبداء الرأي فيما يتكلم عنه، ويقصد بذلك التأهيل العلمي, وقد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة على لسان إبراهيم عليه السلام حين قال لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} مريم/43[/rtl]
[rtl]وكذلك بأن يتحلى صاحب الرأي بالصبر والحلم, فبهما يستطيع أن يواجه الأذى والمضايقات التي تلحق به, وقد أمر رسول صلى الله عليه وسلم أن يعرض عن المخالف له في الرأي، ويهجره هجراً جميلاً، قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} المزمل /10, وأن يتحلى بالموضوعية والإنصاف, فيتحرر من العوامل الذاتية والخارجية في إبداء الرأي، وهذا يتطلب من صاحب الرأي: الالتزام بالصدق, والعدل في كل الأحوال, والتحري والتثبت من الأخبار, وعدم الاعتماد على الظن والتخمين.[/rtl]
[rtl]وبذكر أهم النتائج التي تعتبر ملخصا للدراسة وما جاء فيها, ختم الباحث هذا الموضوع الشيق المهم, الذي يعتبر الأكثر خطورة في هذه الأيام, نظرا لما تشهده الساحة الفكرية المعاصرة من كثرة تداولها لهذا المفهوم, دون الالتفات إلى النظرة القرآنية له, والضوابط التي وضعها القرآن له, والتي لا بد من الالتزام بها, لتنقيته مما علق به من أدران المفهوم الغربي المغلوط والمشوه لهذا الحق.[/rtl]
[rtl]جزى الله الباحث خير الجزاء على هذه الدراسة القيمة, ونفع بها المسلمين. آمين[/rtl]
لتحميل هذه الدراسة انقر هنا: |