خالد حربي
الأربعاء 24 أكتوبر 2012
مذكرات خالد حربي في معتقلات مبارك ..الحلقة السابعة
رغم أن هذه الحلقة هي السابعة في المذكرات إلا أنها الاولى تدوينًا حيث كتبتها بفلم رصاص على ورق مستعمل أثناء اعتقالي وخبأتها ثم اعدت كتابتها بعد خروجي ثم وقعت في يد ضباط امن الدولة قبل الثورة بخمسة ايام
القصة تبدأ في نهاية عام 2010 حين كنت عائداً من سهرة جميلة مع والدي اوقفت السيارة تحت منزلي وحملت طفلتي سهيلة التي رفضت الصعود حتى اشتري لها شيئا ..بينما حملت زوجتي ابني عمر الذي لم يكمل شهره الاول ..دخلنا المنزل وبعد أقل من خمس دقائق دق جرس الباب ..كانت الساعة تقترب من الواحدة ليلًا.... هرولت زوجتي نحو النقاب وعباءة الصلاة..نظرت من عين الباب فوجدت أحدهم يضع يده عليها حتى لا أرى من يقف خارجه ..أشرت لزوجتي أن تغلق غرفتها عليها ..استعذت بالله وفتحت الباب ..فوجدت ما توقعته ...عناصر من العمليات الخاصة ومباحث أمن الدولة مدججة بالأسلحة ...
أقترب مني الضابط ياسين وسألني :هل يمكنك اغلاق المرصد وإيقافه بحيث لا يظهر لأحد على النت ؟
قلت لا ..هذه عملية معقدة تحتاج أكثر من اسبوع لان سيرفر المرصد في كندا وليس في مصر
هزا رأسه ممتعضا وقال بلهجة مقتضبة ..طيب ألبس هدومك وتعالى ..دخلت على زوجتي فوجدتها كعادتها تلهث بالذكر وتحاول أن تبعث الطمأنينة في نفسي .. زوجتي الصابرة تربت في منزل والدها الذي كان مرتعًا لأمن الدولة بحيث صارت لا تهتز لإجرامهم ..كانت طفلتي سهيلة التي لم تكمل عامها الثاني تبتسم ظناً منها أني خارج وسآخذها معي كما هي عادتي وحين ودعتهما وأغلقت الباب خلفي كان صراخها عاليا يستعطفني أن أعود فاحملها بين زراعي ونخرج معا كما تعودت .
حين ركبت احدى السيارات الثلاثة المشحونة بالعسكر طلب مني قائد فرقة العمليات الخاصة أن أعصب عيني فقلت له بعصبية "لأ "نظر إلى ضابط أمن الدولة فبتسم الاخير قائلا : خالد راجل قديم .
وقفت السيارة أمام مقر أمن الدولة بالمرج وتم تفتيشي واصطحابي للزنزانة التي كانت عبارة عن غرفة كبيرة مقسمة لثلاث غرفة صغيرة و كانت ملحقة بزنازين الجنائيين لا يفصل بينها سوى باب حديدي
كانت صرخات طفلتي ما تزال تدوي في أذني ...الابتسامة المتكلفة على وجه زوجتي وهي تمسك بيدي قائلة "ان شاء الله هترجعلي تاني" كل هذا كان يهز كياني لأني كنت أظن الفراق سيطول بيننا ربما لسنين طويلة ...فحين أقدمت على متابعة قضية كاميليا شحاتة ونشرها بين المسلمين أتصل بي ضابط مشهور من جهاز أمن الدولة وطلب مني أن اغلق المرصد وان أمتنع عن الكلام في هذه القضية حتى بيني وبين نفسي وحين رفضت هذا قال لي مهددا "طيب خلى بالك من نفسك ..واحنا هنتحاسب لما الدنيا تهدئ " كنت موقناً ليلتها أن وقت الحساب قد جاء وان بكاء طفلتي سيطول وأمنية زوجتي ستتأخر كثيرا .
كنت كلما اشتدت عليّ المحنة تذكرت قولي شيخي وقدوتي الشيخ رفاعي سرور رحمه الله حين نصحني قائلا"حين نعتقد أننا نواجه الصعاب بقدرتنا وطاقتنا سننهار بلا شك ..إنها قدرة الله وإرادته التي تبقينا صامدين وصابرين ..فلا تحمل هم قدرتك على التحمل ولكن أهتم لقدرتك على الاستعانة والاستغاثة والتضرع إلى الله "
وتحت ظلال هذه الكلمات العظيمة مرت الليلة الاولى
في الصباح فتح باب الزنزانة وطلب مني الحارس أن أعصب عيني لاني سأذهب للتحقيق ..وحين دخلت على الضابط ياسين بدا هادئا غير مكترث بشيء طلب مني أن أقص عليه قصة موقع المرصد وظللنا نتحدث لساعات في اسئلة مملة ومكررة ثم اعادوني لزنزانتي ..وفي المساء تكرر نفس المشهد ...وهكذا لمدة ثلاث أيام اتنقل بين مكاتب التحقيق بلا هدف ...وفي الليلة الرابعة اصطحبني الحارس لمكتب التحقيق كنت معصوب العين كالعادة لكني كنت أشعر جيدا بعدة اشخاص يقفون حولي داخل المكتب ..سألني الضابط قائلا "كم شخصا ساعدته في اشهار اسلامه بالأزهر
قلت الكثير ..ربما مئات ..قال هل منهم بنات ..قلت طبعا ...قال هل منهنّ احد من خارج القاهرة قلت نعم الكثير ..قال طيب ماذا تفعل معهم تحديدا وكيف تتعرف عليهم ..قلت القصة برسالة تصلني على الهاتف او على بريد المرصد تطلب المساعدة في اشهار الاسلام بعدها احدد موعد للقاء الشخص حتى اتيقن من رغبته ودوافعه لإشهار اسلامه فإذا كان بدافع مادي -كقصة حب مثلا- ادله على الطريق وأرشده للإجراءات لكن لا اسعي معه فيها ..أما اذا كان بدافع الايمان فاحتمل معه كل الاجراءات حتى يحصل على شهادة توثيق الاسلام ويستخرج اوراقه الشخصية الجديدة
بدء التحقيق بغوص في هذه النقطة ..كنت اجاوب بنصف ذهن بينما النصف الباقي يبحث عن المغزى من هذا الكلام حتى كفاني الضابط هذا العناء وسألني عن الاماكن التي أقوم بإيواء المسلمين الجدد فيها
ادركت ساعتها أن الهدف هو القبض على هؤلاء المساكين وتسليمهم للكنيسة فقلت له أنا لا أأوي أحداً.. أنا أساعد في الاجراءات الرسمية فقط وعلاقتي بهم تنتهي داخل المسجد الازهر بعد الاشهار مباشرة ؟
شعرت بتحركات داخل غرفة التحقيق .. علا صوت الضباط وهو يقول بلغة الواثق "يعني أنت معندكش شقق في اكتوبر لإيواء المسلمين الجدد ..اجبت باستخفاف "لأ طبعا "
قال طيب أخر مرة كنت في الازهر امته ؟..قلت أول امس ..فطلبي مني اذكر له اسماء أخر حالات أشهرت اسلامها ..ظللت اذكر له أسماء وهمية وحالات مشهورة فقاطعني صارخا : ومريم ومارينا بتوع المنصورة نستهم ولا ايه يا عم الشيخ !؟
لمعت في ذهني كل الخيوط بمجرد سماعي هذين الاسمين فهاتين الفتاتان من اسرة كبيرة ومهمة وكان قد دعاها للإسلام احدي زميلاتهما في الجامعة وعندما قرروا اشهار اسلامهم اتصل بي زوج زميلتهم ثم احضرهما بسيارته إلى القاهرة لإشهار اسلامهما وعندما سألني بعد الاشهار أين سيقيمون قلت له في أكتوبر "ان شاء الله " وعندما تركنا وعاد مع زوجته للمنصورة استأذنت الفتاتين في سحب هواتفهما ثم قمت بوضع الفتاتين عند بعض أهل الخير في أحد محافظات الصعيد حرصا على سلامتهما ..
ادركت وقتها أن هذه الرجل تم القبض عليها واعترف بكل التفاصيل التي يظنها صحيحة.
قلت للضابط نعم احضرهما شخص اسمه أحمد وأشهرت لهما اسلامها وتركتهما بالأزهر ... قال الضابط كذاب ..أحنا قبضنا على أحمد وأعترف بكل شيء ..أدركت وقتها اني في موقف خطير ..فأسرة الفتاتين فيها رجال دولة ورجال اعمال وضباط شرطة برتب كبيرة ..و ضباط أمن الدولة لن يرجحوا كلامي على اعتراف احمد وزوجته
قلت للضابط : اسمع أنا لا أكذب ..أنا بالفعل لا أعلم مكان البنات ..ولكني أقسم لك بالله العظيم أني لو أعلم مكانهما ما أخبرتكم به ..حتى لو قتلتموني لأني لا أتحمل أمام الله تعالى أن أكون سبباً في تسليم مسلمة للكنيسة كما حدث مع كاميليا ووفاء قسطنطين ..هذا ما عندي وافعلوا ما تريدون .
فورا سمعت جلبة وتحركات بغرفة التحقيق أمسك الحارس بيدي وأخرجني من الغرفة .. بعد دقائق فتح الباب وامسكني الضباط من رقبتي وقال : أنا لن أظلمك ..سوف أتركك تقرر مصيرك ومصير زوجتك وأطفالك بنفسك ..وتأكد أن كل المعلومات لدينا فإذا أصررت على موقفك الحالى لا تلومنّ إلا نفسك " ثم دفعني إلى الحائط ومضي ..
ظللت قرابة نصف ساعة أقلب الأمر في رأسي فلم اخرج سوى بنتيجة واحدة : أني سأنفي ثم سأعذب ثم سأعتقل ان ظللت ثابتا على هذا النفي ..ولا خياري لدي في غير هذا ..استرجعت وظللت أردد دعائي الأثير "اللهم أني ابرء من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك"
حضر الحارس واصحبني إلى السلم حيث الطابق الرابع الذي يقبع فيه العقيد هشام توفيق رئيس الفرع وحين دخلت مكتبه كنت استشعر وجود اشخاص اخرين بالمكتب ظل رئيس الفرع يحاول إقناعي أن غالبية من يشهر اسلامه ليس صادقا في هذا ودائما ما توجد قصة حب أو مشاكل عائلية خلف هذا القرار وأنا كشاب سوف أظلم نفسي واظلم أطفالي حين أدخل السجن بسبب تستري على مثل هؤلاء المدّعين ..وان هذا الملف حساس والكنيسة تستغله لتهديد أمن الوطن وتدخل أمريكا في شئوننا وأن جهاز أمن الدولة لا يوجد به مسيحي واحد فكلمهم ضباط مسلمون ولا يمكن أن يسلموا مسلم او مسلمة حقيقية إلى الكنيسة ...
ظل الرجل يدندن حول هذه المعاني لأكثر من ساعة كنت خلالها قد ادركت ان الامر جلل واني إذا لم أسلم لهم الاخوات فسوف اعتقل بلا شك وبالتالي قررت أن أكون صريحاً وواضحاً ومباشراً لان التعريض والمدارة لن تجدي شيئاً .
قلت له " لا اعتقد ان من مهام الدولة ان تفتش في نوايا من يدخل الاسلام أهو صادق أم كاذب ..هذا فقط من عمل جماعات التكفير..ثم ما قولكم في المتنصرة نجلاء الامام صاحبت افلام البورنو ذات الشعبية المرتفعة على الانترنت...أو محمد رحومه النصاب الدولي المحكوم عليه بالحبس المؤبد في قضايا نصب واختلاس او ماهر الجوهري المريض بالسرقة وغيرهم من المتنصرين الذي اعتنقوا المسيحية كنوع من الاستثمار وتحسين الدخل ، لماذا لم يقم جهاز أمن الدولة بالقبض عليهم وتسليمهم للمسلمين كما يفعل الان مع الكنيسة والمسلمين الجدد؟
وبخصوص أمريكا فالحقيقة أن هذا الموقف الذي أنا فيه الان سببه الاساسي هو تدخل امريكا في شئوننا لان مصر منذ اكثر من الف عام والنصارى يعتنقون الاسلام فيها ولم يحدث أن سلّم مسلم للكنيسة سوى في عهدكم الذي صرنا فيها أهم حلفاء امريكا في المنطقة .
انا اعلم ان الجهاز لا يوجد به ضابط مسيحي لكن هذا الجهاز هو من سلم وفاء قسطنطين وماريا عبد الله زكي وكاميليا شحاتة وتريزا عياد وماريان مكرم وعبير ناجح وكرستين قليني وغيرهنّ العشرات للكنيسة
ثم حين تلقيني في السجن بعد كل هذا أكون أنا من ظلم نفسه !!
هنا كان صبر الرجل قد نفذ فصرخ في وجهي " طول عمرك هتفضل .... " وأمر الحارس بإرجاعي للزنزانة
وحين عدت لزنزانتي لم استطع النوم كنت خائفا مما توعدوني به وكنت خائفا ايضا أن أضعف فأدل على المسلمات الجدد وكنت حزيناً لأني سأبتعد عن اطفالي لسنوات طويلة وربما للأبد..قمت لأصلي وحين وضعت جبهتي على الارض أنهرت من البكاء وظللت أردد بهستريا "بــل عبـد يا مـولاي ..عـبد " وهي جملة قائلها بشر الحافي حين كان يقيم في بيته حفلات للمجون فوقف احد الزهاد ببابه وسال الجارية :صاحب هذا البيت حر أم عبد ؟ فقالت الجارية بل حر ..فرد الزاهد : نعم الحر يفعل ما يشاء ثم مضي ..ودخلت الجارية فأخبرت بشر ..فتفكر في كلام الرجل لبرهة ثم خرج حافيا من بيته حتى لحق بالزاهد فاسترجعه فأعاد عليه الحوار فبكي بشر وظل يردد "بل عبد يا مولاي عبد " وتاب وحسن اسلامه وصار من العباد الزهاد وكان كلما نازعته نفسه في شيء من الدنيا يتمتم بهذه الكلمات " بل عبد يا مولاي عبد ".
لا أدي ليلتها كيف أنهيت صلاتي ولا كيف وأين غلبني النوم لكني استيقظت في الصباح الموعود حيث ينتظرني التحقيق وآلات التعذيب والتنكيل وصراع طويل بين الآلام وبين المعتقد وتلك قصة اخرى أرويها في الجزء الثاني بإذن الله