• سليم ، عبد المجيد
( 1299 – 1374هـ/1882 – 1956م)
ولد في 13-10-1882م، الموافق 1-12-1299هـ لأسرة فقيرة بقرية (ميت شهالة) من ريف مصر تابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية
وحفظ القرآن وجوده، ثم التحق بالأزهر،
أقبل إلي القاهرة ليلتحق بالأزهر فسكن في غرفة في حي الجمالية علي مقربة من الجامعة وكان يشاركه فيها الطالب أحمد حسين، (الشيخ أحمد حسين بك - مفتي الأوقاف فيما بعد، وهو شقيق الدكتور طه حسين باشا، الذي اشتهر فيما بعد بلقب عميد الأدب العربي)
وكان يقطن الغرفة المجاورة لهما الدكتور طه حسين باشا الذي كان يؤثر الوحدة والعزلة ولا يحب أن يشاركه في غرفته أحد أو يشارك فيها أحداً،
وحدث أن منيت القاهرة في ذلك الحين بوباء، انقطع من أجله أساتذة الأزهر في عقد حلقات دروسهم فيه واعتكفوا في منازلهم، فكان طلابهم يقصدون إليهم فيها ليتلقوا عنهم العلم ولا يحرموا منه في فترة الاعتكاف، وكان الشيخ عبدالمجيد سليم من تلامذة الشيخ علي البولاقي، أحد علماء الأزهر الأفذاذ في ذلك العهد، فكان الأستاذ الأكبر يمشي علي قدميه من داره في الجمالية إلي دار أستاذه في بولاق - أي ما لا يقل عن عشرة كيلومترات في الذهاب والإياب - لأن الترام لم يكن قد عرف بعد ولا الأتوبيس، ولأن مالية الطالب لم تكن تسمح له يومئذ باستئجار «حمار حصاوي» المطية الوحيدة المعروفة في ذلك الزمان.
ويقول: لقد كانت هذه المشقة حافزاً لنا علي الجد والاجتهاد بغية النجاح والتفوق، فما كنا لنفرط في ذرة من العلم الذي حصدناه بالكد والعرق والكفاح.
وأثناء أيام تاقت نفسه ونفس صديقه الحميم الشيخ مصطفي عبدالرازق وهما طالبان إلي دراسة الفلسفة رغم اعتبارها ضرباً من ضروب الإلحاد والكفر في نظر علماء الأزهر، إلا عالماً كبيراً كان يستنكر ما يلصقه بها الآخرون من كفر وغواية، ذلك هو الشيخ «أحمد أبوخطوة» فقصد الاثنان معاً إلي دار الشيخ «أبوخطوة» وأعربا عن رغبتهما في أن يتتلمذا علي يده في الفلسفة، فأكبر جرأتهما وشجاعتهما، وكان يستقبلهما في بيته ويدرس لهما الفلسفة سراً، بعد أن يغلق الأبواب، كما لو كان تدريس الفلسفة عملاً يعاقب عليه القانون
وكان الشيخ عبد المجيد سليم متوقد الذكاء مشغوفًا بفنون العلم، متطلعًا إلى استيعاب جميع المعارف.
و مضت الايام واستكمل تعليمه بالأزهر على يد علمائه من كبار الأئمة ورواة الحديث والمفسرين
ومن أساتذت هكانوا الإمام الشيخ (محمد عبده )والشيخ (حسن الطويل) والشيخ (أحمد أبي خطوة) وغيرهم
وفي سنة عام 1326هـ الموافق 1908م نال الشهادة العالمية من الدرجة الأولى
مناصبــه:
شغل الكثير من المناصب الدينية فى التدريس بالمعاهد الدينية، ثم بمدرسة القضاء الشرعي
كما ولي القضاء وتدرج فيه حتى وصل إلى عدة مناصب، ثم عهد إليه بالإشراف على الدراسات العليا في الأزهر
، ثم صارت إليه رياسة لجنة الفتوى
وفي 2-12-1346 هـ الموافق 22-5-1928م أصبح (مفتي الديار المصرية ) وظل يباشر شؤون الإفتاء قرابة عشرين سنة في الفترة (1346 – 1364هـ
كان بحراً للعلوم ،وكان الرأس في لجنة الفتوى وبلغ عدد فتاويه خمسة عشر ألف فتوى
وكان فقيها مجتهداً لا يتقيد بمذهب معين وإنما يتعمق في بحث الأدلة
عاصر أحداث هامة بمصر وشارك فيها
وكان لآرائه الدينية صدى بعيد فى العالم الإسلامى كافة
، ومن خلال هذه الفترة الطويلة في الإفتاء ترك فضيلته لنا ثروة ضخمة من فتاويه الفقهية نحو (خمسة عشر ألف فتوى ) .
ولم يكن يهمه عند الفتوي كبير ولاصغير وأفتي ضد نهج التصوف في الحياة فقال :
"والصواب أنه اسم أعجمي قديم كان ولا يزال معروفاً عند وثني الهند وأصله عند قدماء اليونان "ثيو صوفي" ومعناه المتجرد لطلب الحقيقة الأولى التي انبثق عنها الوجود وهي عندهم الحقيقة الإلهية أو نحو هذا ولهذا كانت الصوفية ديناً آخر غير الإسلام دخيلٌ عليه"
ويروي انه وصل إليه سؤال من إحدى المجلات عن مدى شرعية إقامة الحفلات الراقصة في قصور الكبار، وقد حمل رسالة المجلة إليه أحد أمناء الفتوى في دار الإفتاء، ولفت نظره إلى أن المجلة التي طلبت الفتوى من المجلات المعارضة للملك، وأن الملك قد أقام حفلا راقصا في قصر عابدين، فالفتوى إذن سياسية، وليس مقصوداً بها بيان الحكم الديني. وتريد المجلة بذلك الوقيعة بينه وبين الملك، إلى جانب التعريض بالتصرف الملكي وصولاً إلى هدف سياسي.
فقال فضيلته: وماذا في ذلك ؟ إن المفتي إذا سُئل لابد أن يجيب ما دام يعلم الحكم
وأصدر فتواه بحرمة هذه الحفلات
ونشرت المجلة هذه الفتوى مؤيدة بأدلتها الشرعية.
وعلي إثر هذه الفتوى حدثت أزمة بين الملك والمفتي،
صمم الملك على الانتقام من المفتي، الذي كانت فتواه سبباً في إحراجه فوجّه الديوان الملكي دعوة إلى الشيخ عبد المجيد سليم لحضور صلاة الجمعة مع الملك في مسجد قصر عابدين، وهو القصر الذي أُقيم فيه الحفل الراقص، فذهب المفتي وجلس في المكان المخصص له، وحين حضر الملك جلس في مكانه بالصف الأول، وبعد انتهاء الصلاة وقف كبار المصلين لمصافحة الملك بعد الصلاة قبل أن يدخل إلى حديقة القصر من الباب الداخلي للمسجد المؤدي إلى الحديقة، ووقف المفتي في مكانه استعداداً لهذه المصافحة الملكية، وكان كل من يأتي عليه الدور للمصافحة يرفع يده نحو الملك استعداداً لمصافحته، فيصافحه الملك لكن الشيخ عبد المجيد سليم لم يبدأ الملك بالمصافحة وفشلت رغبة الملك أن يترك يد الشيخ ممدودة للمصافحة دون أن يصافحه، ويكون في تلك الإهانة عقاباً أدبياً للمفتي
وتصدي المفتي للملك فؤاد عندما حاول أن يستبدل ببعض ممتلكاته من الأراضي الصحراوية الجرداء القليلة الثمن ، بأراضي زراعية خصبة موقوفة للخيرات فأفتي الشيخ عبد المجيد سليم أن< مثل هذا الاستبدال باطل لأن الاستبدال لايجوز لغير مصلحة الوقف ، وهي هاهنا مفقودة> .
توليه منصب شيخ الأزهـر:
عين شيخاً للأزهر لأول مرة في 26-12-1369 هـ الموافق 8-10-1950م
فأسهم فى إصلاح الأزهر
وكان لديه اشتغال بالتقريب بين المذاهب الإسلامية وله فى هذا المجال كثير من المراسلات مع علماء البلاد الإسلامية
وله صلات ب (جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية) الساعية لأجل تفاهم الطوائف الإسلامية السنية والشيعية على ما ينفع المسلمين،واستلال الضغائن من بينهم، وله في هذه الناحية كتابات ورسائل ومراسلات بينه وبين كثير من علماء البلاد الإسلامية
إعفاؤه :
بعد تعيينه بأقل من عام أعفي من منصبه في 4-9-1951م لاعتراضه على الحكومة المصريةعندما خفضت من ميزانية الأزهر
وأعلن عن غضبه وقال عبارته الشهيرة : » أتقتير هنا وإسراف هناك«
ويقصد بالإسراف تبذير ملك مصر فاروق وحاشيته
إعادته لمنصب شيخ الأزهر :
أعيد إلي المنصب مرة أخرى 1371هـ فتولى المشيخة للمرة الثانية في يوم 10-2-1952م
وكان يحيي سنة السلف الصالح فيفتح أبواب بيته بمنشية البكري في رمضان طيلة الليل، للواردين والمترددين، حتي ولو لم يكونوا من أصدقائه أو معارفه دار الشيخ،، وتبدأ سهرات رمضان في دار الأستاذ الأكبر عقب الفراغ من تناول الإفطار الذي يحرص علي أن يتناوله مع جميع أفراد العائلة
إستقالته :
بعد فترة وجيزة من ثورة يوليو 1952 وكان قد بلغ السبعين عاماً لم يرتاح إلي العمل كشيخ الأزهر فقدم استقالته في 17-9-1952م ، وحل محله الشيخ (محمد الخضر حسين )
من آثاره العلمية
1-فتاويه وتبلغ بضعة عشرة ألف فتوى
<br>وكم كانت رغبة الكثيرين في ان تدون هذه الثروة الهائلة من الفتاوي وتطبع وتنشر حتي يستفيد منها المسلمون في جميع انحاء العالم ولكن لم يتيسر ذلك الا عندما تقلد فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق منصب الافتاء فعمل جاهدا علي جمع هذا التراث الاسلامي الكبير الذي تركه اعلام المفتين في مصر وطبعه ونشره ومنه فتاوي الشيخ عبدالمجيد سليم
2-مقالاته وآراؤه ودراساته فى الصحف والمجلات وبخاصة ( رسالة الإسلام )
3- تحقيق كتاب (الفتاوى) للإمام بدر الدين الحنبلي البعلي:
وفــاته:
توفي يوم 7-10-1954م الموافق 10-2-1374هـ.
كان واسع الأفق حسن الخلق، عاصر أحداث هامة في تاريخ الوطن العربي واشترك فيها موجهًا وهاديًا وكان لآرائه الدينية صداها البعيد في العالم الإسلامي كافة،
بعد وفاته بعقود كرمت مصر اسمه بمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر
الهامش :
من أقواله -رحمه الله- في ذلك:
لقد كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والتابعون لهم بإحسان والأئمة عليهم الرضوان، يختلفون، ويدفع بعضهم حجة بعض ويجادلون عن آرائهم بالتي هي أحسن ويدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ولم نسمع أن أحدا منهم رمي غيره بسوء، أو قذفه ببهتان ولا أن هذا الاختلاف بينهم كان ذريعة للعداوة والبغضاء، ولا أن آراءهم فيما اختلفوا فيه قد اتخذت من قواعد الإيمان وأصول الشريعة التي يُعد مخالفها كافرا أو عاصيا لله تعالى، وقد كانوا يتحامون الخوض في النظريات، وفتح باب الآراء في العقائد وأصول الدين ويحتمون الاعتصام فيها بالمأثور، سدا لذريعة الفتنة وحرصا على وحدة الأُمة وتفرغا لما فيه عزهم وسعادتهم وارتفاع شانهم، ولذلك كانوا أقوياء ذوى عزة ومهابة، أشداء على الكفار رحماء بينهم.
ولكن المسلمين لم يلبثوا أن انحرفوا عن هذه السبيل، واتخذوا من خلافاتهم عصبيات جامدة لا تعرف التفاهم، ولا تنزل عن حكم البرهان والعقل فكانوا باختلافهم المذهبي كالمختلفين في الدين. يتبادلون سوء الظن، ويتراشقون التهم جزافا، وينظر بعضهم إلى بعض في حذر وحيطة، بل أفضى بهم ذلك في كثير من الأحيان إلى التضارب والتقابل وسفك الدماء، وبذلك انحلت عرى الأُمة وانفصمت وحدتها، وقدر عليها أعداؤها، ونزع الله هيبتها من القلوب وأصبحت غثاء كغثاء السيل، وانقلب الخلاف الذي كان رحمة ونعمة، إلى بلاء وشر وفتنة. وصار مثله كمثل الخلاف في الأصول، والنزاع على الأسس الأولى للإيمان.
ولقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يخشى هذا التفرق، ويحذر منه وكان يشبه المؤمنين بالجسد الواحد، ولم يكن شيء أبغض إليه بعد الكفر بالله من الاختلاف في التنازع ولو في الأمور العادية.
أن هذه الأُمة لن تصلح إلاّ إذا تخلصت من هذه الفرقة، واتحدت حول أصول الدين وحقائق الإيمان ووسعت صدرها فيما وراء ذلك للخلافات ما دام الحكم فيها للحجة والبرهان.
ولقد أدركنا في الأزهر على أيام طلبنا للعلم، عهد الانقسام والتعصب للمذاهب ولكن الله أراد أن نحيا حتّى نشهد زوال هذا العهد، وتطهر الأزهر من أوبائه واوضاره، فأصبحنا نرى الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي أخوانا متصافية وجهتهم الحق، وشرعتهم الدليل، بل أصبحنا نرى بين العلماء من يخالف مذهبه الذي درج عليه في أحكامه لقيام الدليل عنده على خلافه، وقد جربت طول مدة قيامي بالإفتاء في الحكومة والأزهر ـ وهي أكثر من عشرين سنة ـ على تلقي المذاهب الإسلاميّة ولو من غير الأربعة المشهورة بالقبول مادام دليلها عندي واضحا وبرهانها لدي راجحا مع إنني حنفي المذهب كما جريت وجرى غيري من العلماء على مثل ذلك فيما اشتركنا في وضعه أو الإفتاء عليه من قوانين الأحوال الشخصية في مصر، مع أن المذهب الرسمي فيها هو المذهب الحنفي، وعلى هذه الطريقة نفسها تسير (لجنة الفتوى بالأزهر) التي أتشرف برياستها، وهي تضم طائفة من علماء المذاهب الأربعة.
فإذا كان الله قد برأ المسلمين من هذه النعرة المذهبية التي كانت تسيطر عليهم إلى عهد قريب في أمر الفقه الإسلامي، فأنا لنرجوا أن يزيل ما بقي بين طوائف المسلمين من فرقة ونزاع في الأمور التي يقوم عليها برهان قاطع يفيد العلم، حتّى يعودوا كما كانوا أمة واحدة، ويسلكون سبيل سلفهم الصالح في التفرغ لما فيه عزتهم وبذلك السعي والوسع فيما يعلى شانهم، والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المصادر:
- موقع الأزهر
-كتاب الأزهر في ألف عام، للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، ج1 ص (306، 307).
-موقع دار الإفتاء
http://dar-alifta.gov.eg/ViewScientist.aspx?ID=62-موقع إسلام ويب
http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=51973[b][justify]